حسد أهل الصنعة الواحدة

بقلم / حمود الصهيبي  

في إحدى المهرجانات ، وبينما كان الروائي التركي أورهان باموك، الحائز على جائزة نوبل، يتحدث عن تجربته الروائية ووصوله إلى التكريم العالمي، كانت إحدى الكاتبات تتحدث عن أنها قد سمعته يقول هذا الكلام في مرة سابقة , وأن هذهِ المحاضرة مكررة , تتحدث للشخص الذي بجانبها , وكنت جالساً غير بعيد منها ، ولم أكن أقصد التنصت إلى ما تقوله ، ولكن صوتها كان “عالي ” بما فيه الكفاية ليسمعه جميع من حولها، وكأنها بهذا تدينه على تكرار محاضرته ! قلت في نفسي وما الضير في أنْ تقرأ وتسمع ما يقوله او في تكرار محاضرته خصوصاً أنه يتكلم عن خلاصة فكره وتجربته التي أثنى عليها العالم كله , إضافة إلى أنه الجمهور مختلف والمكان والزمن ايضا فقد كان أينشتاين يلقي محاضرته بالحرف في كل مكان عندما توالت عليه الدعوات .
ليس أورهان باموك روائياً عادياً، إنه من النمط الذكي والشجاع في طروحاته، ولا يمكن تقييم تجربته وتقييمه كروائي بكلمات حاسدة من أي كاتب كان.
فكرتُ في أنه ليس هناك عيب يطال كاتب إذا كرر الكلام عن تجربته الفنية ؛ إذ إن هذه التجربة هي تجربته التي مر بها، وهي أمر حدث وانتهى ولا يمكن تغييره. ثم إنني تساءلتُ: لماذا يحسد الكتاب بعضهم؟ أليس من الطبيعي والأخلاقي أن يثنوا على أعمال بعضهم، لأنها تثري الفن؟
تذكرت قول الجاحظ ”
قال الجاحظ : إني ربما ألفت الكتاب المحكم المتقن في الدين، والفقه، والرسائل، والخطب، والخراج، والأحكام، وسائر فنون الحكمة، وأنسبه إلى نفسي، فيتواطأ على الطعن فيه جماعة من أهل العلم بالحسد المركب فيهم، وهم يعرفون براعته ونصاحته؛ وأكثر ما يكون هذا منهم إذا كان الكتاب مؤلفا لملك معه المقدرة على التقديم، والتأخير، والحط، والرفع، والترهيب، والترغيب، فإنهم يهتاجون عند ذلك، اهتياج الإبل المغتلمة.” والشافعي أيضا ترك الجزيرة لما وجد من حسد أهل الصنعة الواحدة .
ومع أنني لا يمكن أن أضع فن هذه الكاتبة مقابل فن باموك المدهش وقد كتبت عنه الصحف الغربية.. “شاب تركي يعلم أوروبا كيف تكتب الرواية”، إلا أنني توقفت عند العامل النفسي الذي دفع هذه الكاتبة التي تنظر للنصف الفارغ من الكأس وكان يجب عليها أن تنظر الى النصف الممتلئ… والتقليل من شأن باموك، مع علمها هي نفسها بأن ما وصل إليه باموك هو قمة الفن الروائي في العالم، وجلس على عرش الرواية العالمية , وتقول : كيف يدفعوا له مقابل محاضرة مكرر ؟ وهذا مربط الفرس ! .
الحاسد هو شخص يحاول التقليل من شأن الآخرين وإظهارهم بمظهر الفاشلين، ولو أنه يقدّر نفسه ويجد فيها القوة والقدرة على الإبداع، لما حسد أحداً، وإنما وجد في إبداع الآخر منافساً له ومحرضاً على التقدم والتطور.
أدركُ أن باموك لا يمكن أن يحسد أحداً على أعماله الأدبية، فهو حاصد لكثير من الجوائز العالمية التي لا حصر لها، والذي تم اختياره من قبل مجلة التايم كواحد من 100 شخصية مؤثرة حول العالم.
ولشدّة تميّزه وتفرّد عطائه، رُشح باموق كعضو فخري في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب، كما حصل على شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة تيلبورغ، وكذلك الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وحاز على جائزة نوبل للآداب عام 2006م، ليصبح ثاني أصغر شخص يحصل على هذه الجائزة في تاريخها.
لا يمكن لكاتب بهذا الحجم أن يحسد أحداً، لأنه يبحث عن الجمال والسلام في أي مكان. أما أولئك الذين يمتهنون الحسد، فإنهم يدركون أنهم لم يدوّنوا أسماءهم بعد في خارطة الأدب العالمية، ولا يمكن أن يسطروا حرفاً واحداً في كتاب الفن العالمي، فقط لأنهم لم يعرفوا قيمة الفن في ارتقاء الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى