الطبيعة والقانون

بقلم / رناد مبارك  

باعتقادكم، هل من الممكن أن تكون الطبيعة ذات أثر مساعد للقانون؟ إذا كانت الإجابة نعم، فكيف سيكون ذلك الأثر يا ترى؟

بالأصح، فالطبيعة التي سنتحدث عنها ليست مجرد أثر مساعد، فهي قد تُشكل دليلًا دامغًا من الممكن أن يكون معتبَرًا في القضايا الجنائية، بالمختصر المفيد، نخبركم بأن الأدلة الجنائية التي تكون من الطبيعة تمتاز بمصداقيتها وصعوبة طمسها والتخلص منها من قبل الجاني، وهذا يزيد من أهميتها والتعمق في علمها لدورها المهم في تحديد المجرمين والإرهابيين في عالم مُكتظ بالجرائم والإرهاب، وتتنوع فيه وسائل إخفاء آثار الأدلة ومحاولة الهروب من العدالة.

هل للحشرات دور في العلم الجنائي؟ فالحشرات لا تقتصر على مجال علم الأحياء، بل أصبحت تلعب دورًا هامًا في التحقيقات الجنائية، لذلك تطور العلم الجنائي لاستغلال وجود هذه الحشرات التي تتواجد على الجثث لتتغذى عليها بعد الجريمة، فيكون دور المختصين هو جمعها وفحصها لتساعدهم في معرفة تفاصيل الوفاة، مثلما حدث في قضية سرقة بالصين، فقد لوحظ في مسرح الجريمة بعوضة ميتة، فتبين لهما بعد تحليل حمضها النووي في دمها أنه يعود للسارق، فاعترف بسرقته وبأنها قد لسعته، فمن كان يتوقع بأن لسعة البعوضة ستكون هي السبب بعد الله في القبض عليه؟ -ولا ننسى جهود فريق البحث الجنائي- بعد هذه القضية أعتقد بأن السارقين سيهابون البعوض أكثر من الشرطة!
مع العلم، بحسب دراسة جامعة يابانية، صرحت بأن بقاء الحمض النووي في البعوضة بعد امتصاصها له قد يفقد أهميته الجنائية بعد يومين بسبب تحلله في جسم البعوضة.

كيف من الممكن أن يساعدنا النبات في حل الجريمة؟ قد يساعدنا استخدام النبات وأجزائه، كالبذور، وحبوب اللقاح، والأوراق، والثمار، والأخشاب وغيرهم، بسبب أهميته الكبيرة في التحقيق في الجرائم، وحتى من الممكن أن يساعد في تحديد سبب الوفاة وتقدير الزمن! بالأخص حبوب اللقاح فقد ساهم في حل العديد من جرائم القتل، ويعود ذلك لخصائصها التي تعمل كعمل البصمة لكثرة توافرها في البيئات وصغر حجمها ولبطء تحللها ومحافظتها على العديد من الوسائط لمدة طويلة قد تصل إلى عدة سنوات، ومن الجرائم التي قد تدخل فيها، مثل الأوراق النقدية المزورة، وآثار الأقدام، والتهريب، كما وقع في قضية حدثت في مايو 1992 تم العثور على جثة امرأة في صحراء اريزونا بالقرب من شجرة بها تآكل جديد عليها، وسرعان ما تم العثور على المشتبه فيه بعد تطابق الحمض النووي الذي كان بالشجرة مع بذور موجودة بشاحنته وتمت إدانته، ويعود الفضل إلى الله ثم إلى هذه الحبوب التي لا ترى بالعين المجردة ويصعب التخلص منها.

ماذا عن النبات في المياه؟ دعونا الآن نتحدث عن قضايا الغرق، وكيف تساعدنا الطبيعة فيها؟ يتم ذلك، من خلال عوالق نباتية تُدعى (الدياتومات) يتم استخلاصها من الجهاز التنفسي للضحية لمعرفة مدى مكوثه في المياه، أو تواجد الجثة في الأماكن الجغرافية التي قد مرت بها.

ماهي جهود مملكتنا الحبيبة في اتحاد الطبيعة مع القانون؟ استخدمت المملكة الكلاب البوليسية المدربة تحت مسمى “فرق الوسائل الحية” للكشف عن المواد الممنوعة مثل المخدرات والمتفجرات، وحتى مع تطور أجهزة الكشف، إلا أن الجمارك عللت استمرار استخدامها لأهميتها وصفاتها الخاصة التي ميزها الله بها، فهي تمتاز بحواس قوية وقدرة على التمييز بين الروائح، لذلك يصعب مقارنتها بالأجهزة، فهذه الكلاب البوليسية تمكنت بفضل من الله من إحباط أكثر من محاولة تهريب للممنوعات داخل المملكة، كما أن استخدامها لا يقتصر على ذلك، بل من الممكن أن تساعد على البحث عن المفقودين، بالإضافة إلى أن الجمارك السعودية قد صرحت في ظل جائحة كورونا بأنها ستستعين بها من أجل الكشف عن مصابي كورونا من خلال تدريبها على ذلك.

وأخيرًا، هل ترون أن الطبيعة دائمًا مناصرة للعدالة؟ فالطبيعة وحدها لا تكفي لإدانة المتهم، ولا بد من التحري والتقصي وفحصها جيدًا حتى يتبين منها ما يدين المتهم، لذلك لا يمكننا الحكم عليها إلا أنها دليل ذو أهمية كُبرى ونحن من يجب علينا الحكم بالعدل، فقد قال الله تعالى في كتابه: { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ْ} أي: كلما حرصتم على العدل واجتهدتم في العمل به، كان ذلك أقرب لتقوى قلوبكم، فإن تم العدل كملت التقوى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طالبه قانون
جامعه الملك فيصل

تعليق واحد

اترك رداً على سميرة سعد إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى