ماذا لو تبخر الخجل من حياتنا ؟

بقلم / إلهام الجعفر الشمري  

الخجل صفة أقرب منها إلى التكوين الخام للطيبة . الخجول لايعرف كيف يمارس الأذية ولا يستطيع تحمل نظرة مغلوطة له . في داخله أجمل بقاع الحب والرحمة والحنان حتى لو اتهمه البعض بقلة الثقة في النفس. يبقى الخجول إنسان . فماذا لو أصبح العالم بدون هؤلاء الرائعون. ستُستباح الحقوق بالتأكيد ، وستسقط مقومات الرحمة لأن الخجولون لاينطقون بحقوقهم . ستكون الوقاحة قبلة الصراحة، وسيكون على الآخر أن يقبل أن تضمحل قدرته على الدفاع عن نفسه.
رأينا كيف هوى الحياء لأسفل القاع واستباحت وسائل التواصل حريات الأشخاص وأَجّل معاني الاحترام للذات البشرية المجبولة على الخجل، ليصبح من حق الأشخاص الظهور بكامل عريهم من الأخلاق. واحترام حقوق الآخرين في تلقي المستور من القول والفعل. بل أصبح الخجول يُعامل كالأخرق بينما يعامل نقيضه كالفرسان.
الحياء ياسادة أصبح مادة قد يكون مقدراً أن نُدرسها وقد كنا لانفعل في زمن جميل سابق لأن الناس كانت ترتدي عباءته من الولادة، بينما اليوم أصبح علينا أن نقدمه أطباقاً شهية ليرغب الناس في وضعها على طاولتهم دون الخوف من اتهامهم بالتخاذل والتراخي .

لكني مازلت محفوفة برائحة ذلك الزمن الذي كان الخجل فيه قيمة فلم أرى منه إلا الخير.
الخير في تلك الوجوه كبيرة أم صغيرة وهي تقدم العسل في حديثها وتتغاضى عن الهفوات وتقدس دخول النور بمداخل الكلمات الطيبة التي لاتسئ لأحد في صورة أو مضمون أو سلوك. وما العيب في ذلك إذا كان كل ماتغزله تلك الصفة الحميدة ( الحياء) هو القبول الذاتي والذكرى التي تخيط أطرافها في كل بناء من أبنية الروح فلا يبقى من صاحبها سوى رائحة المسك.
بينما اليوم تلك الطفولة المأسوف عليها التي يتمطى بها طفل يتحدث بلغة الكبار ويتمايل بسخافاتهم وتراه وكأن الطفولة أبت أن تستقر في جسده وعباراته. تلك الفتاة التي لايضيرها شاشة صغيرة من أن تتمايل وهي تظن بأنها تقدم عرض هادف . تلك الزوجة التي استباحت السوشال ميديا حياتها الخاصة لدرجة أنك تصبح ضيف دائم في بيتها وعلاقاتها وأبنائها. ذلك الشاب الذي يتخايل حمقاً مظهراً زياً يكشف عن عري مبادئه وأفكاره.
ولأنني لاأحب أن تسيل الكلمات من قلمي سوى بلسماً، فقد شققت في الروح شقاً يجعلني أؤمن بأن قليل من التَفَكُر والتأمل يعيد بساط الحياء لمكونات حياتنا. نحتاج فقط أن نعلم بأنه هناك فرق شاسع بين الأدب وقلته، وذلك الفرق هو نفسه بين من يعي بأن خجله لايعكس سوى أدب رفيع يملكه صاحب خلق عظيم. أوليس لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى