حوكمة مجالس الإدارة

بقلم / خالد سليمان عبدالله الوشمي  

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه الكرام وبعد..
يعيش القطاع غير الربحي في مملكتنا الحبيبة مع الرؤية المباركة رؤية 2030 نهضة عصرية تنموية متوافقة مع قطاعات الدولة الأخرى القطاع الحكومي والقطاع الخاص فقد استقلت المنظمات والمؤسسات والجمعيات غير الربحية تحت إشراف المركز الوطني للقطاع غير الربحي بقرار من مجلس الوزراء، ليشكل هذا القطاع المبارك نهضة تنموية اقتصادية ويتوافق مع مستهدفات الرؤية التي رُسمت لهُ حتى يتدرج على خطواتها ليصل للهدف المنشود.
فبعد المواءمة لجميع الجمعيات أقرت وزارة الموارد البشرية آنذاك بعدها الحوكمة على جميع الجمعيات والتي أصبحت حاليًا تحت مظلة المركز الوطني إداريًا وماليًا، فمفهوم الحوكمة يشير بشكل عام إلى مجموعة من المعايير والمبادئ التي تقود المنظمات لتطبيق أفضل الممارسات الإدارية والمالية بما يؤدي إلى تحقيق الكفاءة والفاعلية في النتائج على أسس من مبادئ الشفافية والمساءلة، والمشاركة، والعدالة وغيرها.
من هذا المنطلق فالمبدأ العام هو أن يشرف على الإدارة التنفيذية للجمعية الأهلية مجلس إدارة منتخب من الجمعية العمومية. ويقع على عاتق مجلس الإدارة الإشراف على الإدارة التنفيذية ومتابعة آدائها والتأكد من تنفيذها للخطط المعتمدة وتقديم التقارير الدورية التي تصدرها المنظمة والخطط والميزانيات السنوية للجمعية العمومية لاعتمادها.
لكن إذا أردنا الوصول لحوكمة فعّالة للمجلس لابد أن ينتخب مجلس إدارة ذو خبرة عالية في مجال التخطيط والهيكلة التنظيمية ،ويتوفر في عناصره المهارات القيادية والتطوير والإبداع والتدريب المستمر ولديه تصور كامل عن آداء وأعمال وأهداف  المنظمة ، وكذلك لديهم قنوات اتصال وعلاقات عامة قوية ، وتعيين وانتقاء مدير تنفيذي للإشراف على الأنشطة والبرامج  اليومية للمنظمة  ، بالإضافة إلى المميزات التي لابد أن تتوافر في أعضاء مجلس الإدارة من الاشتراك في نفس الدافع والحماس نحو رسالة المنظمة، ولديهم الرغبة في أن يشمروا عن سواعدهم للعمل عند الضرورة، وتربطهم صلات وثيقة مع مجتمعاتهم المحلية، مختلفون من حيث العمر، والجنس، والعرق، والمهنة، والمهارات والخلفية الثقافية، ويساندون الجهود التي تبذل لجمع الأموال حسب الأنظمة المتبعة، جميع هذه الأمور تسير بالمنظمة نحو حوكمة منضبطة لمجلس إدارة ناجح بجميع المقاييس والمعايير، والذي يستطيع من خلالها المجلس الذي يحمل هذه الفاعلية والمميزات أن يطبق متطلبات الأنظمة واللوائح المرتبطة بالمنظمات غير الربحية في المملكة العربية السعودية ، كنظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ولوائحه التنفيذية ، ونظام مكافحة غسل الأموال ، ونظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله ، وتطبيق المعايير الرئيسية:
1. معيار الامتثال والالتزام، والذي يقيس مدى امتثال والتزام الجمعيات الأهلية بالأنظمة واللوائح والضوابط السارية والمنظمة لأعمالها.
2. معيار الشفافية والإفصاح، والذي يقيس مدى استعداد الجمعيات الأهلية لنشر المعلومات عن أسباب وجودها، وعن أنشطتها المنفذة، وبياناتها المالية، واستعدادها لشرح عملياتها لأصحاب العلاقة والجمهور.
3. معيار السلامة المالية، والذي يقيس أداء الجمعيات الأهلية، من خلال تقييم الكفاءة والقدرة والاستدامة المالية وكذلك كفاءة التنظيم المالي.
ولكن مع هذا  هناك  العديد من العقبات التي يمكن أن تتسبب في فشل مجلس الإدارة فتفشُل معها الحوكمة منها:
ضعف معايير انتخاب أعضاء مجلس الإدارة، توجهات وسياسات المنظمة غير محددة لدى الأعضاء بشكل دقيق ومكتوب،اعتماد أعضاء المجلس على أفكار خارجة عن اهتمامات وأهداف المنظمة،وعدم إطلاع أعضاء المجلس على المستجدات والتطورات الخاصة بأعمال المنظمة، ومنها إهمال المجلس للمهام المنسوبة له إما لضعف الموارد أو لاعتمادها على المدير التنفيذي والموظفين بالقيام بالأعمال أو لعدم توفر الوقت لدى أعضاء مجلس الإدارة، أو عدم معرفة أعضاء مجلس الإدارة بمهامهم،وضعف المعرفة بأساليب إدارة المنظمات التابعة للقطاع والتباطؤ في معالجة حل المشكلات وترحيلها.
 
من خلال هذه المقالة المتواضعة اقترح عدة أمور وآمل من الجهات المعنية والمختصة في تطوير القطاع غير الربحي في مملكتنا الحبيبة أن تضع هذه المقترحات في عين الاعتبار من خلال تجاربنا وخبراتنا في العمل بهذا القطاع المبارك وهي :
1- أن يتم إعداد دليل إرشادي مختصر من المختصين، يتمحور حول المهام والمسؤوليات والأهداف المتعلقة بالمنظمات غير الربحية، ومجلس إدارتها، والأنشطة والممارسات وأهم المعلومات التي لا غنى عنها في هذا المجال، تعتمده جهة الإشراف والاختصاص، ويكون جزءًا من واجبات ومهام الرئيس والأعضاء الحاليين للمجلس، وأحد إجراءات الترشيح والقبول للرئيس والأعضاء الجدد.
2-اعتماد آلية مناسبة وموحدة لاختيار رئيس وأعضاء مجلس إدارة المنظمات غير الربحية،تسعى لأن يكونوا من المؤهلين وذوي المهارات والخبرات العالية، وممن لديهم الرغبة والشغف في العمل والمشاركة، وذلك حسب نوع المهارات والخبرات المطلوبة للمنظمة، ووفقا لطبيعة القضايا أو الأهداف التي ستتعامل معها في الوقت الراهن، والأهداف التي تسعى لتحقيقها في المستقبل.
3- عندما يتم اختيار أو تعيين الأعضاء المؤسسين أو أعضاء مجلس الإدارة الجدد، حسب الدليل أو الآلية فيمكن أن تعتمد جهة الإشراف والاختصاص أنها تمنحهم وظيفة رسمية بمهام ومسؤوليات محددة أو مكافأة مقطوعة، وليس تطوعا صرفا، لأن التزامهم وأدائهم، هو الأساس لعمل المنظمة ونجاحها، وجزء من متطلبات القيادة والحوكمة.
4- أن تتبنى جهة الإشراف والاختصاص برنامجا تدريبيا موحدًا لرئيس وأعضاء مجالس الإدارة في المنظمات غير الربحية، عن الحوكمة والإلمام بالمؤشرات المرتبطة بالجمعية العمومية، ومجلس الإدارة، واللائحة التنفيذية.
 
فإذا طُبقت هذه المقترحات أو جزءًا منها سنلمس دورًا فعَّالاً لمجالس الإدارة على أداء ونتائج المنظمات غير الربحية في المملكة، والتي تُكمل منظومة التنمية الإنسانية في مجتمعاتنا الشغوفة بالبذل والمشاركة، وكل ما من شأنه حفظ حقنا وكرامتنا وعز بلادنا، كيف لا وقد أسهمت رؤية مملكتنا الحبيبة 2030 في تأصيل وتأييد ودعم هذا التوجه البناء، الذي يقودنا إلى المستوى المأمول الذي نستحقه بين دول العالم قاطبة في إدارة العمل الخيري غير الربحي والإسهام لمستقبل واعد ومنافس محليًا وعالميًا.
 
 وصلى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-باحث  “ماجستير” قسم إدارة المنظمات غير الربحية
كلية ( إدارة الأعمال) بجامعة حائل
– المشرف العام على جمعية آية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة عيون الجواء- القصيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى